الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
.فَصْلٌ: الشَّرْطُ (السَّابِعُ) لِلسَّلَمِ (أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ): (فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَيْنٍ) كَدَارٍ وَشَجَرٍ نَابِتَةٍ (لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ (لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلَفَ) أَيْ: الْمُعَيَّنُ (قَبْلَ أَوَانِ تَسْلِيمِهِ) وَلِأَنَّ الْمُعَيَّنَ يُمْكِنُ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى السَّلَمِ فِيهِ.وَتَقَدَّمَ.(وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلسَّلَمِ (ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْهُ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ بُيُوعَ الْأَعْيَانِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءِ فِيهِ كَبَرِّيَّةٍ وَبَحْرٍ وَدَارٍ وَحَرْبٍ) فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَاشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ بِالْقَوْلِ كَالْكَيْلِ.(وَيَجِبُ) إيفَاءُ (مَكَانَ الْعَقْدِ) إنْ عَقَدَا فِي مَحَلٍّ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ (مَعَ الْمُشَاحَةِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمِ (أَخْذُهُ) أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ (إنْ رَضِيَا) لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَ(لَا) يَجُوزُ أَخْذُهُ (مَعَ أُجْرَةِ حَمْلِهِ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ قَالَ الْقَاضِي: (كَأَخْذِ بَدَلِ السَّلَمِ وَيَصِحُّ شَرْطُهُ) أَيْ: الْإِيفَاءِ (فِيهِ) أَيْ: فِي مَكَانِ الْعَقْدِ (وَيَكُونُ) ذَلِكَ الشَّرْطُ (تَأْكِيدًا) لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ (وَ) يَصِحُّ شَرْطُ الْإِيفَاءِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ.(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمَكِيلِ (وَلَوْ) كَانَ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ (لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.(وَلَا) تَصِحُّ (هِبَتُهُ) أَيْ: هِبَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ كَالْبَيْعِ (وَلَا هِبَةُ دَيْنِ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ السَّلَمِ (لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ) لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي الْهِبَةِ) مُفَصَّلًا.(وَلَا) يَصِحُّ (أَخْذُ غَيْرِهِ) أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ (مَكَانَهُ) «لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» وَلِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ بَيْعٌ فَلَمْ يَجُزْ كَبَيْعِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِثْلَهُ فِي الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.(وَلَا) تَصِحُّ (الْحَوَالَةُ بِهِ) أَيْ: بِثَمَنِ السَّلَمِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَمْ تَجُزْ كَالْبَيْعِ (وَلَا) الْحَوَالَةُ (عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، وَالسَّلَمُ عُرْضَةٌ لِلْفَسْخِ (وَلَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةِ (بِرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ بَعْدَ فَسْخِهِ وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي) بَابِ (الْحَوَالَةِ) مُوَضَّحًا (وَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ الْبَرَاءَةُ مِنْ الدَّيْنِ وَ) مِنْ (الْمَجْهُولِ) وَيَأْتِي (فِي) بَابِ (الشَّرِكَةِ الْقَبْضُ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ) مُفَصَّلًا.(وَيَصِحُّ بَيْعُ دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ ثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَقَرْضٍ وَمَهْرٍ بَعْدَ دُخُولِهِ وَأُجْرَةٍ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ (أَوْ فَرَغَتْ مُدَّتُهَا) إنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ كَإِجَارَةِ دَارٍ شَهْرًا (وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِهِ) كَجُعْلٍ بَعْدَ عَمَلٍ (لِمَنْ هُوَ) أَيْ: الدَّيْنُ (فِي ذِمَّتِهِ) لِخَبَرِ «ابْنِ عُمَرَ كُنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّرَاهِمَ، وَبِالدَّرَاهِمِ وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّنَانِيرَ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ إنْ أَخَذْتَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنكُمَا شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ وَغَيْرُهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ.(وَ) يَجُوزُ (رَهْنُهُ) أَيْ: رَهْنُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ (عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ (بِحَقٍّ لَهُ) أَيْ: لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ هَذَا أَحَدُ رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الِانْتِصَارِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الْأَوْلَى الْجَوَازُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ قَالُوا: يَجُوزُ رَهْنُ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ انْتَهَى قُلْتُ بَلْ يَكَادُ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِ، حَيْثُ قَالُوا: الرَّهْنُ تَوْثِقَةُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ بَلْ صَرَّحَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ (إلَّا رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ بَعْدَ فَسْخِ) السَّلَمِ (وَقَبْلَ قَبْضِ) رَأْسِ مَالِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَا رَهْنُهُ عِنْدَهُ لِمَا تَقَدَّمَ (لَكِنْ إنْ كَانَ) الدَّيْنُ (مِنْ ثَمَنِ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ) أَوْ بِثَمَنٍ لَمْ يُقْبَضْ (فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَهُ مَا يُشَارِكُ الْبَيْعَ فِي عِلَّةِ رِبَا فَضْلٍ أَوْ نَسِيئَةٍ) فَلَا يُعْتَاضُ عَنْ ثَمَنِ مَكِيلٍ مَكِيلًا، وَلَا عَنْ ثَمَنِ مَوْزُونٍ مَوْزُونًا (حَسْمًا لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (آخِرَ كِتَابِ الْبَيْعِ) مُبَيَّنًا.(وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ (أَنْ يَقْبِضَ عِوَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ إنْ بَاعَهُ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً) كَأَنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِفِضَّةٍ أَوْ عَكْسُهُ (أَوْ) بَاعَهُ ب (مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ) فَيُعْتَبَرُ قَبْضُهُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لِئَلَّا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) بِأَنَّ بَاعَهُ بِمُعَيَّنٍ يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ذَهَبًا وَبَاعَهُ بِبُرٍّ مُعَيَّنٍ (فَلَا) يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ.(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ: الدَّيْنِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ.(وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ) وَلَوْ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ (وَلَا) بَيْعُ (غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ) كَصَدَاقٍ قَبْلَ دُخُولٍ وَجُعْلٍ قَبْلَ عَمَلٍ وَأُجْرَةٍ قَبْلَ فَرَاغِ مُدَّةٍ.(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ) الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ (بِمِثْلِهِ) بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا فَبَاعَهُ لَهُ بِدِينَارٍ (؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ حَقِّهِ) الْوَاجِبِ لَهُ فَلَا أَثَرَ لِلتَّعْوِيضِ.(وَلَوْ قَالَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لِلْمُسْلِمِ (فِي دَيْنِ السَّلَمِ: صَالِحْنِي مِنْهُ أَيْ: مِنْ أَجْلِهِ عَلَى مِثْلِ الثَّمَنِ) الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (صَحَّ) ذَلِكَ.(وَكَانَ إقَالَةً) بِلَفْظِ الصُّلْحِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِكُلِّ مَا أَدَّى مَعْنَاهَا (وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ وَلَيْسَتْ بَيْعًا.(وَ) تَصِحُّ الْإِقَالَةُ أَيْضًا (فِي بَعْضِهِ) أَيْ: بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَكُلُّ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ جَازَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ فِي الْبَعْضِ كَالْإِبْرَاءِ وَالْإِنْظَارِ (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ: فِي التَّقَايُلِ (قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا (وَلَا) قَبْضَ (عِوَضِهِ) أَيْ: عِوَضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (إنْ تَعَذَّرَ) رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ بِأَنْ عُدِمَ (فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِ (قَبْضُ) أَيْ: لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا كَمَا تَقَدَّمَ.(وَمَتَى انْفَسَخَ عَقْدُهُ) أَيْ: عَقْدُ السَّلَمِ (بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) كَعَيْبٍ فِي الثَّمَنِ (لَزِمَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (رَدُّ الثَّمَنِ الْمَوْجُودِ)؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ السَّلَمِ عَادَ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَوْجُودًا رُدَّ (مِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا (ثُمَّ قِيمَتُهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا لِأَنَّ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ رَجَعَ بِعِوَضِهِ.(وَإِنْ أَخَذَ بَدَلَهُ) أَيْ: بَدَلَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الْفَسْخِ (ثَمَنًا وَهُوَ ثَمَنٌ فَصُرِفَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ (وَإِنْ كَانَ) رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ (عَرَضًا فَأَخَذَ) الْمُسْلَمَ (عَنْهُ عَرَضًا أَوْ ثَمَنًا) بَعْدَ الْفَسْخِ (فَبَيْعَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ) لَكِنْ إنْ عَوَّضَهُ مَكِيلًا عَنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونًا عَنْ مَوْزُونٍ اُعْتُبِرَ الْقَبْضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَالصَّرْفِ.(وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ سَلَمٌ وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جِنْسِهِ فَقَالَ) الرَّجُلُ (لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِكَ، فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ إذْ هُوَ حَوَالَةٌ بِسَلَمٍ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِهِ (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا قَبْضُهُ (لِلْآمِرِ لِأَنَّهُ) أَيْ: الْآمِرَ (لَمْ يَجْعَلْهُ) أَيْ: الْقَابِضَ (وَكِيلًا) عَنْهُ فِي الْقَبْضِ.(وَالْمَقْبُوضُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الدَّافِعِ) لِعَدَمِ الْقَبْضِ الصَّحِيحِ (وَإِنْ قَالَ) الرَّجُلُ (اقْبِضْهُ) أَيْ: السَّلَمَ ((لِي ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ) وَفَعَلَ (صَحَّ) الْقَبْضُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَابَهُ فِي قَبْضِهِ لَهُ إذَا قَبَضَهُ لِمُوَكِّلِهِ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَذِنَهُ فِي قَبْضِهَا عَنْ دَيْنِهِ (فَيَصِحُّ قَبْضُ وَكِيلٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ نَصًّا، إلَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالِهِ) أَيْ: دَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا.(وَ) يَصِحُّ (عَكْسُهُ) أَيْ: عَكْسُ قَبْضِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ (وَهُوَ) أَيْ: عَكْسُ قَبْضِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ اسْتِنَابَةُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُسْتَحِقِّ) فِي أَخْذِ حَقِّهِ بِأَنْ يُوَكِّلَ الْمَدِينُ رَبَّ الدَّيْنِ فِي قَبْضِهِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (آخِرَ) بَابِ (خِيَارِ الْبَيْعِ):(وَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَنْ لَهُ سَلَمٌ وَعَلَيْهِ سَلَمٌ (لِلثَّانِي) الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ السَّلَمُ (أَحْضِرْ اكْتِيَالِي مِنْهُ) أَيْ: مِمَّنْ لِي عَلَيْهِ السَّلَمُ (لِأَقْبِضَهُ لَكَ فَفَعَلَهُ) أَيْ: حَضَرَ اكْتِيَالَهُ مِنْهُ وَسَلَّمَهُ لَهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ (لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِلثَّانِي) لِعَدَمِ كَيْلِهِ (وَيَكُونُ) الْأَوَّلُ (قَابِضًا لِنَفْسِهِ) لِاكْتِيَالِهِ إيَّاهُ (وَإِنْ قَالَ) الْأَوَّلُ: لِلثَّانِي (أَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُهُ صَحَّ) ذَلِكَ.(وَكَانَ) ذَلِكَ (قَبْضًا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ قَبْضًا لِلْغَرِيمِ الْمَقُولِ لَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ كَيْلِهِ إيَّاهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ جِزَافًا وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ إنَّهُ يَجُوزُ قَبْضُ الْمَبِيعِ جِزَافًا إنْ عَلِمَاهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ رِوَايَتَيْنِ؛ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: مَا هُنَا خَاصٌّ بِالسَّلَمِ لِأَنَّهُ أَضْيَقُ، وَالْأَوَّلُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا هُنَا فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ أَيْ: قَبْضِ الْمَكِيلِ جِزَافًا وَلَا بُدَّ مِنْ كَيْلٍ ثَانٍ فَيُحْمَلُ مَا تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِ الْمَكِيلِ (وَمَعْنَى الْقَوْلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَبْضٍ) لِلْغَرِيمِ (أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّصَرُّفُ بِدُونِ كَيْلٍ ثَانٍ فِيهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الدَّافِعِ) مِنْهُ.(وَإِنْ اكْتَالَهُ) الْأَوَّلُ (ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمِكْيَالِ وَسَلَّمَهُ إلَى غَرِيمِهِ فَقَبَضَهُ صَحَّ الْقَبْضُ لَهُمَا) مَعًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ اكْتَالَهُ حَقِيقَةً وَالثَّانِيَ حَصَلَ لَهُ اسْتِمْرَارُ الْكَيْلِ، وَاسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ مَعَ إنَّهُ لَا تَحْصُلُ زِيَادَةُ عِلْمٍ بِابْتِدَائِهِ فَلَا مَعْنَى لَهُ.(وَإِنْ دَفَعَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو دَرَاهِمَ) وَعَلَى زَيْدٍ طَعَامٌ لِعَمْرٍو (فَقَالَ) زَيْدٌ لِعَمْرٍو (اشْتَرِ لَكَ بِهَا مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي عَلَيَّ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ) الشِّرَاءُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ.(وَإِنْ قَالَ) زَيْدٌ لِعَمْرٍو (اشْتَرِ لِي بِهَا) أَيْ: بِالدَّرَاهِمِ (طَعَامًا ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ فِيهِ (وَلَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ لِنَفْسِهِ)؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِنَفْسِهِ فَرْعٌ عَنْ قَبْضِ مُوَكِّلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ.(وَإِنْ قَالَ) زَيْدٌ لِعَمْرٍو اشْتَرِ لِي بِدَرَاهِمَ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي عَلَيَّ وَ(اقْبِضْهُ لِي ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ) بِأَنْ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا لَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ لَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ (صَحَّ) ذَلِكَ كُلُّهُ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ ثُمَّ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ؛ وَذَلِكَ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ كِيسًا وَقَالَ: اسْتَوْفِ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّكَ فَفَعَلَ صَحَّ) كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مِنْ اسْتِنَابَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُسْتَحِقِّ وَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ.(وَلَوْ أَذِنَ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ عَنْهُ بِدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ أَوْ فِي صَرْفِهِ أَوْ) فِي (الْمُضَارَبَةِ بِهِ) وَنَحْوِهِ (أَوْ قَالَ اعْزِلْهُ وَضَارِبْ بِهِ) فَفَعَلَ (لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ (وَلَمْ يَبْرَأ) الْغَرِيمُ مِنْ الدَّيْنِ بِذَلِكَ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ (وَلَوْ قَالَ) رَبُّ الدَّيْنِ: (لَهُ) لِغَرِيمِهِ (تَصَدَّقْ عَنِّي بِكَذَا) وَلَمْ يَقُلْ مِنْ دَيْنِي (أَوْ) قَالَ: (أَعْطِ فُلَانًا كَذَا وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ دَيْنِي صَحَّ) ذَلِكَ.(وَكَانَ اقْتِرَاضًا) لَا تَصَرُّفًا فِي الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ (كَمَا لَوْ قَالَهُ لِغَيْرِ غَرِيمِهِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ اقْتِرَاضًا (وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ) الَّذِي لِلْقَائِلِ عَلَى الْغَرِيمِ (بِمِقْدَارِهِ) أَيْ: مِقْدَارِ مَا قَالَ لَهُ: تَصَدَّقْ بِهِ أَوْ أَعْطِهِ فُلَانًا عَنِّي (لِلْمُقَاصَّةِ) الْآتِيَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي كَذَا بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ مِنْ دَيْنِي.(وَمَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهِ) مِنْ الدَّيْنِ (قَدْرًا وَصِفَةً حَالًا أَوْ مُؤَجَّلًا أَجَلًا وَاحِدًا، لَا حَالًا وَمُؤَجَّلًا تَسَاقَطَا) إنْ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ قَدْرًا (أَوْ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ) إنْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ (وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَدَفْعِهِ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِالْعَبَثِ (إلَّا إذَا كَانَا) أَيْ: الدَّيْنَانِ (أَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمَا دَيْنَ سَلَمٍ) فَلَا مُقَاصَّةَ (وَلَوْ تَرَاضَيَا)؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي دَيْنِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَذَا لَوْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ حَقٌّ كَمَا لَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لِتَوْفِيَةِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ مِثْلُ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ فَلَا مُقَاصَّةَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَكَمَا لَوْ بِيعَ بَعْضُ مَالِ الْمُفْلِسِ عَلَى بَعْضِ غُرَمَائِهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ جِنْسِ مَا لَهُ عَلَى الْمُفْلِسِ فَلَا مُقَاصَّةَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ بَاقِي الْغُرَمَاءِ بِذَلِكَ.(وَمَنْ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ) عَلَيْهَا مِنْ نَفَقَتِهَا (مَعَ عُسْرَتِهَا)؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِمَا فَضَلَ عَنْ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي النَّفَقَاتِ) مُوَضَّحًا.(وَمَتَى نَوَى مَدْيُونٌ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ) إلَى غَرِيمِهِ (وَفَاءَ دَيْنِهِ بَرِئَ) مِنْهُ (وَإِلَّا) يَنْوِ قَضَاءَهُ (فَمُتَبَرِّعٌ) هَكَذَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَفِي كُتُبِ الْأُصُولِ: مِنْ الْوَاجِبِ مَا لَا يُفْتَقَرُ إلَى نِيَّةٍ كَأَدَاءِ الدَّيْنِ وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا نَوَى التَّبَرُّعَ لَا عَلَى مَا إذَا غَفَلَ، جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ.(وَإِنْ وَفَّاهُ أَيْ: الدَّيْنَ حَاكِمٌ قَهْرًا) عَلَى مَدِينٍ؛ لِامْتِنَاعِهِ (كَفَتْ نِيَّتُهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (إنْ قَضَاهُ مِنْ) مَالِ (مَدْيُونٍ) وَكَذَا إنْ وَفَّاهُ عَنْ غَائِبٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَكَذَا لَوْ قَضَاهُ غَيْرُ حَاكِمٍ عَنْ مَدْيُونٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (وَيَجِبُ أَدَاءُ دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ) لِحَدِيثِ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ».(وَلَا يَجِبُ) أَدَاءُ دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ (بِدُونِهَا) أَيْ: بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ (عَلَى الْفَوْرِ) بَلْ يَجِبُ مُوَسَّعًا.(قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ) الْمَدِينُ (عَيَّنَ لَهُ) أَيْ: لِرَبِّ الدَّيْنِ (وَقْتَ الْوَفَاءِ) فَيَقُومُ تَعْيِينُهُ مَقَامَ الْمُطَالَبَةِ عِنْدَهُ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (أَوَّلَ الْحَجْرِ) بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.(وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَدِينِ (إعْلَامُهُ) أَيْ: رَبِّ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ لِئَلَّا يَكُونَ خَائِنًا لَهُ.(وَلَا يَقْبِضُ) رَبُّ السَّلَمِ (الْمُسْلَمَ فِيهِ إلَّا بِمَا قُدِّرَ بِهِ مِنْ كَيْلٍ وَغَيْرِهِ) كَوَزْنٍ وَذَرْعٍ وَعَدٍّ (فَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ فِيهِ (جِزَافًا) اعْتَبَرَهُ بِمَا قُدِّرَ بِهِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ» (وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ قَبْضِهِ جِزَافًا فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ (لَوْ قَبَضَ الْمَكِيلَ وَزْنًا أَوْ) قَبَضَ (الْمَوْزُونَ كَيْلًا) فَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ قَبْضَ مَا يُكَالُ بِالْكَيْلِ وَمَا يُوزَنُ بِالْوَزْنِ.(أَوْ اكْتَالَ) مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ (لَهُ) أَيْ: لِلْمُسْتَحِقِّ (مَا عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ) بَعْدَ حُضُورِهِ (خُذْ هَذَا قَدْرَ حَقِّكَ فَقَبَضَهُ بِذَلِكَ) الْكَيْلِ السَّابِقِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا؛ لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ كَيْلَهُ، (وَاعْتَبَرَهُ) قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ (بِمَا قُدِّرَ) أَيْ: كِيلَ (بِهِ أَوَّلًا) وَكَذَا حُكْمُ مَوْزُونٍ وَمَذْرُوعٍ وَمُعَدٍّ.(وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ) إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ (قَبْلَ اعْتِبَارِهِ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ (ثُمَّ يَأْخُذُ) الْمُسْتَحِقُّ (قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَقْبُوضِ جِزَافًا وَنَحْوِهِ (فَإِنْ زَادَ فَالزَّائِدُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ) لَا مَضْمُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ (يَجِبُ رَدُّهُ) لِرَبِّهِ (وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا طَالَبَ بِالنَّقْصِ) وَأَخَذَهُ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْقَابِضِ (فِي قَدْرِهِ) أَيْ: النَّقْصِ (مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِقَبْضِ الزَّائِدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.(وَيُسْلِمُ) الْمُسْلَمُ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى رَبِّ السَّلَمِ (مِلْءَ الْمِكْيَالِ وَمَا يَحْمِلهُ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ (وَلَا يَكُونُ) الْمِكْيَالُ (مَمْسُوحًا مَا لَمْ تَكُنْ عَادَةً) فَيُعْمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي الشَّرْعُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ (وَلَا يَدُقُّ) الْمِكْيَالَ (وَلَا يَهُزُّهُ) فَتُكْرَهُ زَلْزَلَةُ الْكَيْلِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ حَقِّهِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ.(وَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ: الْمُسْلَمَ فِيهِ (كَيْلًا) إنْ كَانَ مَكِيلًا (أَوْ وَزْنًا) إنْ كَانَ مَوْزُونًا (ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا وَنَحْوَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَلَطِ (وَكَذَا حُكْمُ مَا قَبَضَهُ مِنْ مَبِيعٍ أَوْ دَيْنٍ آخَرَ) غَيْرِ السَّلَمِ إنْ قَبَضَهُ جِزَافًا قُبِلَ قَوْلُهُ: فِي قَدْرِهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ الْغَلَطَ وَتَقَدَّمَ.وَمَنْ قَبَضَ دَيْنَهُ ثُمَّ بَانَ لَا دَيْنَ لَهُ ضَمِنَ مَا قَبَضَهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ لَمْ يُبَادِرْ إلَى إيجَابِ ضَمَانِهِ حَتَّى يُفَسِّرَ أَنَّهُ عُدْوَانٌ.(وَلَا يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ وَلَا كَفِيلٍ، وَهُوَ الضَّمِينُ بِمُسْلَمٍ فِيهِ) رُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ إذْ وَضَعَ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيفَاءِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَلَا مِنْ ذِمَّةِ الضَّامِنِ، حَذَرًا مِنْ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَا يَصْرِفَهُ رَاجِعٌ إلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَكِنْ، يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ وَيُسْلِمهُ وَيَشْتَرِيه الضَّامِنُ وَيُسَلِّمهُ، لِئَلَّا يَصْرِفهُ إلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ: الصِّحَّةَ (وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ أَيْضًا (بِثَمَنِهِ) أَيْ: رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ فَسْخِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ مَا سَبَقَ..(بَابٌ الْقَرْضُ): بِفَتْحِ الْقَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا (وَهُوَ) فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ، مَصْدَرُ قَرَضَ الشَّيْءَ يَقْرِضُهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ قَطَعَهُ وَمِنْهُ الْمِقْرَاضُ، وَالْقَرْضُ: اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاقْتِرَاضِ وَشَرْعًا (دَفْعُ مَالٍ إرْفَاقًا لِمَنْ يُنْتَفَعُ بِهِ وَيُرَدُّ بَدَلُهُ) وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِهَا لِمَصْلَحَةٍ لَاحَظَهَا الشَّارِعُ، رِفْقًا بِالْمَحَاوِيجِ وَالْأَصْلُ فِيهِ: الْإِجْمَاعُ: لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(وَ) هُوَ (نَوْعٌ مِنْ السَّلَفِ لِارْتِفَاقِهِ) أَيْ: انْتِفَاعِ الْمُقْتَرِضِ (بِهِ) أَيْ: بِمَا اقْتَرَضَهُ (وَيَصِحُّ) الْقَرْضُ (بِلَفْظِ: قَرْضٍ وَ) لَفْظِ (سَلَفٍ) لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِمَا (وَبِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا) أَيْ: مَعْنَى الْقَرْضِ وَالسَّلَفِ (كَقَوْلِهِ: مَلَّكْتُكَ هَذَا عَلَى أَنْ تَرُدَّ لِي بَدَلَهُ) أَوْ خُذْ هَذَا انْتَفِعْ بِهِ وَرُدَّ لِي بَدَلَهُ وَنَحْوَهُ (أَوْ تُوجَدُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَتِهِ) أَيْ: الْقَرْضِ كَأَنْ سَأَلَهُ قَرْضًا (فَإِنْ قَالَ: مَلَّكْتُكَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ وَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ) تَدُلُّ عَلَيْهِ (فَهُوَ هِبَةٌ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْهِبَةِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) فَقَالَ الْمُعْطِي: هُوَ قَرْضٌ وَقَالَ الْآخِذُ: هُوَ هِبَةٌ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخِذِ) إنَّهُ هِبَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ.(وَهُوَ) أَيْ: الْقَرْضُ (عَقْدٌ لَازِمٌ فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ) بِالْقَبْضِ لِكَوْنِهِ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ (جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَرِضِ) فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ.(وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ) أَيْ: الْقَرْضِ (خِيَارٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ (وَهُوَ مِنْ الْمَرَافِقِ) جَمْعُ مَرْفَقٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مَا ارْتَفَقْتَ بِهِ وَانْتَفَعْتَ (الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَشَفَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ «لَأَنْ أُقْرِضَ دِينَارَيْنِ ثُمَّ يُرَدَّانِ، ثُمَّ أُقْرِضُهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِمَا» وَ(لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ) وَمِنْهُ: مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُقْتَرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.وَالْقَرْضُ (مُبَاحٌ لَلْمُقْتَرِضِ) وَلَيْسَ مَكْرُوهًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ (وَلَا إثْمَ عَلَى مَنْ سُئِلَ فَلَمْ يُقْرِضْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، بَلْ مَنْدُوبٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَيْسَ هُوَ) أَيْ: سُؤَالُ الْقَرْضِ (مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْمُومَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذهُ بِعِوَضِهِ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ.(وَيَنْبَغِي) لِلْمُقْتَرِضِ (أَنْ يُعْلِمَ الْمُقْرِضَ بِحَالِهِ وَلَا يَغُرَّهُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مَا يَقْدِرُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ، إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَتَعَذَّرُ مِثْلُهُ) عَادَةً لِئَلَّا يَضُرَّ بِالْمُقْرِضِ.(وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ الشِّرَاءَ بِدَيْنٍ وَلَا وَفَاءَ) لِلدَّيْنِ (عِنْدَهُ، إلَّا الْيَسِيرُ) لِعَدَمِ تَعَذُّرِهِ عَادَةً.(وَكَذَا الْفَقِيرُ يَتَزَوَّجُ) الْمَرْأَةَ (الْمُوسِرَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهَا بِحَالِهِ) أَيْ: فَقْرِهِ (لِئَلَّا يَغُرَّهَا).(وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ) أَيْ: الْقَرْضِ (بِمِقْدَارٍ مَعْرُوفٍ) مِنْ مِكْيَالٍ أَوْ صَنْجَةٍ أَوْ ذِرَاعٍ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ (فَلَوْ اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ الْوَزْنِ لَمْ يَصِحَّ) الْقَرْضُ لِلْجَهَالَةِ بِمِقْدَارِهَا فَيَتَعَذَّرُ رَدُّ مِثْلِهَا.(وَإِنْ كَانَتْ) الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ (عَدَدِيَّةً يُتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا) لَا وَزْنًا (جَازَ قَرْضُهَا عَدَدًا وَيُرَدُّ) بَدَلُهَا (عَدَدًا) عَمَلًا بِالْعُرْفِ (وَلَوْ اقْتَرَضَ مَكِيلًا) جِزَافًا (أَوْ مَوْزُونًا جِزَافًا وَقَدَّرَهُ) أَيْ: الْمَكِيلَ (بِمِكْيَالٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ) قَدَّرَ الْمَوْزُونَ ب (صَنْجَةٍ بِعَيْنِهَا، غَيْرِ مَعْرُوفِينَ عِنْدَ الْعَامَّةِ لَمْ يَصِحَّ) الْقَرْضُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ تَلَفَ ذَلِكَ فَيَتَعَذَّرُ رَدُّ الْمِثْلِ (كَالسَّلَمِ) وَإِنْ كَانَ لَهُمَا عُرْفٌ صَحَّ الْقَرْضُ لَا التَّعْيِينُ.(وَيُشْتَرَطُ وَصْفُهُ) أَيْ: مَعْرِفَةُ وَصْفِهِ لِيُرَدَّ بَدَلَهُ.(وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَالصَّدَقَةِ (وَمِنْ شَأْنِهِ) أَيْ: الْقَرْضِ (أَنْ يُصَادِفَ ذِمَّةً) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الدَّيْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الذِّمَمِ وَمَتَى أُطْلِقَتْ الْأَعْوَاضُ تَعَلَّقَتْ بِهَا.وَلَوْ عُيِّنَتْ الدُّيُونُ مِنْ أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ لَمْ يَصِحَّ (فَلَا يَصِحُّ قَرْضُ جِهَةٍ كَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ (وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْوَقْفِ: وَلِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَصْلَحَةٍ، كَشِرَائِهِ لَهُ) أَيْ: لِلْوَقْفِ (نَسِيئَةً أَوْ بِنَقْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ).وَفِي بَابِ اللَّقِيطِ: يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِنَفَقَةِ اللَّقِيطِ وَكَذَا قَالَ فِي الْمُوجِزِ: يَصِحُّ قَرْضُ حَيَوَانٍ وَثَوْبٍ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ، وَبِهَذِهِ الْجِهَاتِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي فَلَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ الْوَفَاءُ مِنْ مَالِهِ، بَلْ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ وَمَا يَحْدُثُ لِبَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يُقَالُ: لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ رَأْسًا وَمَا هُنَا بِمَعْنَى الْغَالِبِ فَلَا تُرَدُّ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ لِنُدْرَتِهَا.(وَيَصِحُّ) الْقَرْضُ (فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا) مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَذْرُوعٍ وَمَعْدُودٍ وَغَيْرِهِ (إلَّا الرَّقِيقَ فَقَطْ) فَلَا يَصِحُّ قَرْضُهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَا هُوَ مِنْ الْمَرَافِقِ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَقْتَرِضَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا.(وَلَا يَصِحُّ قَرْضُ الْمَنَافِعِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْهُودٍ (وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ مِثْلَ أَنْ يَحْصُدَ مَعَهُ) إنْسَانٌ (يَوْمًا، وَيَحْصُدَ الْآخَرُ مَعَهُ يَوْمًا) بَدَلَهُ (أَوْ يُسْكِنَهُ دَارًا لِيُسْكِنَهُ الْآخَرُ) دَارًا (بَدَلَهَا) كَالْعَارِيَّةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ.(وَيَتِمُّ) عَقْدُ الْقَرْضِ (بِقَبُولٍ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ (وَيَمْلِكُ) الْقَرْضَ بِقَبْضِهِ (وَيَلْزَمُ بِقَبْضِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقِفُ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى الْقَبْضِ فَوَقْفُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَمَا يَأْتِي (مَكِيلًا) كَانَ الْقَرْضُ (أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا أَوْ مَذْرُوعًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ).(وَلَهُ) أَيْ: لِلْمُقْتَرِضِ (الشِّرَاءُ بِهِ) أَيْ: بِالْقَرْضِ (مِنْ مُقْرِضِهِ) نَقَلَهُ مُهَنًّا لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَكَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ (وَلَا يَمْلِكُ الْمُقْرِضُ اسْتِرْجَاعَهُ) أَيْ: الْقَرْضِ لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْقَبْضِ (مَا لَمْ يُفْلِسْ الْقَابِضُ، وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ) لِلْفَلَسِ قَبْلَ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ بَدَلِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْحَجْرِ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُقْرِضِ (طَلَبُ بَدَلِهِ) أَيْ: الْقَرْضِ (فِي الْحَالِ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًا فَكَانَ لَهُ طَلَبُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَةِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فَكَانَ حَالًا كَالْإِتْلَافِ.(وَلَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ رَدُّ عَيْنِهِ) أَيْ: عَيْنِ مَا اقْتَرَضَهُ لِأَنَّهُ مَلَكُهُ مِلْكًا تَامًّا بِالْقَبْضِ (فَإِنْ رَدَّهَا) أَيْ: عَيْنَ مَا اقْتَرَضَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُقْرِضِ (لَزِمَهُ قَبُولُهُ) أَيْ: الْمَرْدُودِ (إنْ كَانَ مِثْلِيًّا) لِأَنَّهُ رَدَّهُ عَلَى صِفَةِ حَقِّهِ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ كَالسَّلَمِ (وَهُوَ) أَيْ: الْمِثْلِيّ (الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ) الَّذِي لَا صِنَاعَةَ فِيهِ مُبَاحَةً يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَرْضُ مِثْلِيًّا وَرَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ بِعَيْنِهِ (فَلَا) يَلْزَمُ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ لِأَنَّ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِالْقَرْضِ قِيمَتُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَإِذَا كَانَ الْقَرْضُ مِثْلِيًّا وَرَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ بِعَيْنِهِ لَزِمَ الْمُقْرِضَ أَخْذُهُ.(وَلَوْ تَغَيَّرَ سِعْرُهُ) وَلَوْ بِنَقْصٍ (مَا لَمْ يَتَعَيَّبْ) كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ أَوْ عَفِنَتْ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرًا لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ (أَوْ) يَكُنْ الْقَرْضُ (فُلُوسًا، أَوْ) يَكُنْ دَرَاهِمَ (مَكْسُورَةً فَيُحَرِّمُهَا) أَيْ: يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْمُعَامَلَةِ بِهَا (السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ كَالْعَيْبِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا (فَلَهُ) أَيْ: لِلْمُقْتَرَضِ (الْقِيمَةُ) عَنْ الْفُلُوسِ وَالْمُكَسَّرَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ (وَقْتَ قَرْضٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً أَوْ اسْتَهْلَكَهَا، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَالْمَغْشُوشَةُ إذَا حَرَّمَهَا السُّلْطَانُ كَذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْفُلُوسَ إنْ لَمْ يُحَرِّمْهَا وَجَبَ رَدُّ مِثْلِهَا، غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ، أَوْ كَسَدَتْ وَتَكُونُ قِيمَةُ ذَلِكَ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ إنْ جَرَى فِيهِ رِبَا فَضْلٍ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ مَكْسُورَةً فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ أَعْطَى قِيمَتَهَا ذَهَبًا) حَذَرًا مِنْ رِبَا الْفَضْلِ (وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ).فَلَوْ أَقْرَضَهُ دَنَانِيرَ مَكْسُورَةً فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ أَعْطَى قِيمَتَهَا فِضَّةً (وَكَذَا) فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (لَوْ كَانَتْ) الْفُلُوسُ أَوْ الْمُكَسَّرَةُ الَّتِي حَرَّمَهَا السُّلْطَانُ (ثَمَنًا مُعَيَّنًا) فِي عَقْدِ بَيْعٍ (لَمْ يَقْبِضْهُ) الْبَائِعُ (فِي) وَقْتِ عَقْدٍ عَلَى (مَبِيعٍ) حَتَّى حَرَّمَهَا السُّلْطَانُ (أَوْ رَدَّ) الْمُشْتَرِي (مَبِيعًا) لِعَيْبٍ، أَوْ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَدْلِيسٍ أَوْ غَبْنٍ.(وَرَامَ أَخْذَ ثَمَنِهِ) وَكَانَ فُلُوسًا أَوْ مُكَسَّرَةً، فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ فَلَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ عُقِدَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا رِبَا فَضْلٍ، وَكَذَا سَائِرُ الدُّيُونِ، كَعِوَضِ خُلْعٍ وَعِتْقٍ وَمُتْلَفٍ مِنْ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهَا، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْمُقْرِضُ بِبَلَدِ الْمُطَالَبَةِ تَحْرُمُ الْمُعَامَلَةُ بِهِ فِي سِيرَةِ السُّلْطَانِ فَالْوَاجِبُ عَلَى أَصْلِنَا: الْقِيمَةُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَسَادِ؛ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ، إذْ الضَّابِطُ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ كَانَ ثَمَنًا فَصَارَ غَيْرَ ثَمَنٍ.(وَيَجِبُ) عَلَى الْمُقْتَرِضِ (رَدُّ مِثْلٍ فِي) قَرْضِ (مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لَا صِنَاعَةَ فِيهِ مُبَاحَةً قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ بِمِثْلِهِ فَكَذَا هُنَا، مَعَ أَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ شَبَهًا بِالْقَرْضِ مِنْ الْقِيمَةِ (سَوَاءٌ زَادَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ: الْمِثْلِ (عَنْ وَقْتِ الْقَرْضِ أَوْ نَقَصَتْ) قِيمَتُهُ عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلُ) قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ عَوِزَ الشَّيْءُ عَوَزًا مِنْ بَابِ عَزَّ، فَلَمْ يُوجَدْ، وَأَعْوَزَنِي الْمَطْلُوبُ مِثْلُ أَعْجَزَنِي لَفْظًا وَمَعْنًى (لَزِمَ) الْمُقْتَرِضَ (قِيمَتُهُ) أَيْ: الْمِثْلِ (يَوْمَ إعْوَازِهِ)؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ.(وَ) يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ رَدُّ (قِيمَةِ مَا سِوَى ذَلِكَ) أَيْ: الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَضُمِنَ بِقِيمَتِهِ كَالْغَصْبِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَنْ يَجُوزَ رَدُّ الْمِثْلِ بِتَرَاضِيهِمَا انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا.وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ (مِنْ جَوَاهِرَ وَغَيْرِهَا) مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ (يَوْمَ قَبْضِهِ)؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الرَّاغِبِ وَكَثْرَتِهِ فَتَنْقُصُ فَيَنْضَرُّ الْمُقْتَرِضُ، وَتَزِيدُ زِيَادَةً كَثِيرَةً فَيَنْضَرُّ الْمُقْرِضُ، وَقِيمَةُ مَا سِوَى ذَلِكَ يَوْمَ الْقَرْضِ، كَمَا فِي التَّنْقِيحِ وَالْإِنْصَافِ وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ.(وَلَوْ اقْتَرَضَ خُبْزًا) عَدَدًا (أَوْ) اقْتَرَضَ (خَمِيرًا عَدَدًا أَوْ رَدَّ) خُبْزًا أَوْ خَمِيرًا عَدَدًا (بِلَا قَصْدِ زِيَادَةٍ وَلَا) قَصْدِ (جَوْدَةٍ وَلَا شَرْطِهِمَا جَازَ) ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْجِيرَانُ يَسْتَقْرِضُونَ الْخُبْزَ وَالْخَمِيرَ، وَيَرُدُّونَ زِيَادَةً وَنُقْصَانًا فَقَالَ-: لَا بَأْسَ، إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مَرَافِقَ النَّاسِ لَا يُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ» ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي بِإِسْنَادِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِنْ قَصَدَ الزِّيَادَةَ وَالْجَوْدَةَ أَوْ شَرَطَهُمَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ نَفْعًا.(وَلَوْ اقْتَرَضَ تَفَارِيقَ لَزِمَهُ) أَيْ: الْمُقْتَرِضَ (أَنْ يَرُدَّهَا جُمْلَةً) بِطَلَبِ رَبِّهَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَالٌ.(وَيَصِحُّ قَرْضُ الْمَاءِ كَيْلًا) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَائِعٍ مَكِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا) يَجُوزُ (قَرْضُهُ) أَيْ: الْمَاءِ (لِسَقْيِ الْأَرْضِ إذَا قُدِّرَ) الْمَاءُ (بِأُنْبُوبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ فَخَّارٍ، أَوْ رَصَاصٍ وَنَحْوِهِ عَلَى هَيْئَتِهَا.(وَسُئِلَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ عَنْ عَيْنِ) مَاءٍ (بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ نَوْبَاتٌ فِي أَيَّامٍ يَقْتَرِضُ) أَحَدُهُمْ (الْمَاءَ مِنْ نَوْبَةِ صَاحِبِ) يَوْمِ (الْخَمِيسِ لِيَسْقِيَ بِهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ نَوْبَتَهُ فِي يَوْمَ السَّبْتِ؟ فَقَالَ) الْإِمَامُ: (إذَا كَانَ) الْمَاءُ (مَحْدُودًا يُعْرَفُ كَمْ يَخْرُجُ؟ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّ الْمِثْلِ.(وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا يُعْرَفُ كَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ) (أَكْرَهُهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ مِثْلِهِ؛ لَعَلَّهُ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ الْمَاءَ الْبَعِيدَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، بَلْ رَبُّهَا أَحَقُّ بِهِ كَمَا سَبَقَ.(وَيَثْبُتُ الْعِوَضُ) عَنْ الْقَرْضِ (فِي الذِّمَّةِ) أَيْ: ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ (حَالًا وَإِنْ أَجَّلَهُ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُنِعَ فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ فَمُنِعَ الْأَجَلُ فِيهِ كَالصَّرْفِ، إذْ الْحَالُ لَا يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ وَهُوَ عِدَةُ تَبَرُّعٍ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ: الْقَرْضُ حَالٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ (وَيَحْرُمُ الْإِلْزَامُ بِتَأْجِيلِهِ) (أَيْ: الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: يَحْرُمُ تَأْجِيلُهُ وَكَذَا كُلُّ دَيْنٍ حَالٍ) (أَوْ) كَانَ مُؤَجَّلًا (حَلَّ أَجَلُهُ) لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ يَحْرُمُ الْإِلْزَامُ بِهِ.(وَلَا يَلْزَمُ) الْمُقْرِضَ (الْوَفَاءُ بِهِ) أَيْ: بِالتَّأْجِيلِ (؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ) أَيْ: الْمُقْرِضِ (أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ) نَصًّا (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ صِحَّةَ تَأْجِيلِهِ وَلُزُومَهُ إلَى أَجَلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ) الدَّيْنُ (فَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ) كَثَمَنِ مَبِيعٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِهِ لِعَزْمِ حَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ».(وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ، وَ) شَرْطُ (الضَّمِينِ فِيهِ) أَيْ: فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَقْرَضَ مِنْ يَهُودِيٍّ شَعِيرًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَا جَازَ فِعْلُهُ جَازَ شَرْطُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّوَثُّقِ بِالْحَقِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ وَالضَّمَانُ كَالرَّهْنِ.فَلَوْ عَيَّنَهَا وَجَاءَ بِغَيْرِهِمَا لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ وَإِنْ كَانَ مَا أَتَى بِهِ خَيْرًا مِنْ الْمَشْرُوطِ وَحِينَئِذٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ إمْضَائِهِ بِلَا رَهْنٍ وَلَا كَفِيلٍ.(فَإِنْ شَرَطَ) الْمُقْتَرِضُ (الْوَفَاءَ أَنْقَصَ مِمَّا اقْتَرَضَ) لَمْ يَجُزْ، لِإِفْضَائِهِ إلَى فَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ (أَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ أَوْ يُقْرِضَهُ لَمْ يَجُزْ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (كَشَرْطِ) الْمُقْرِضِ (زِيَادَةً وَهَدِيَّةً وَشَرَطَ مَا يَجُرُّ نَفْعًا نَحْوَ أَنْ يُسْكِنَهُ الْمُقْتَرِضُ دَارِهِ مَجَّانًا، أَوْ رَخِيصًا أَوْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ) فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ فَإِذَا شُرِطَ فِيهِ الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ.وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ مِثْل أَنْ يُقْرِضَهُ مُكَسَّرَةً فَيُعْطِيَهُ صِحَاحًا وَنَحْوَهُ (أَوْ) شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ بَدَلَ الْقَرْضِ (فِي بَلَدٍ آخَرَ) لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا فِي الْجُمْلَةِ.وَفِي الْمُغْنِي، (يَبِيعهُ شَيْئًا يُرَخِّصهُ عَلَيْهِ) لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا (أَوْ) شَرَطَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا، أَوْ أَنْ (يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ أَوْ) أَنْ (يُسَاقِيَهُ عَلَى نَخْلٍ أَوْ يُزَارِعَهُ عَلَى ضَيْعَةٍ، أَوْ) أَنْ (يُسْكِنَهُ الْمُقْرِضُ عَقَارًا بِزِيَادَةٍ عَلَى أُجْرَتِهِ، أَوْ) أَنْ (يَبِيعَهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ) أَنْ (يَسْتَعْمِلَهُ فِي صَنْعَةٍ وَيُعْطِيَهُ أَنْقَصَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَنَحْوُهُ) كُلُّ مَا فِيهِ جَرُّ مَنْفَعَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ.(وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ: فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (بِغَيْرِ شَرْطٍ بَعْدَ الْوَفَاءِ) وَلَا مُوَاطَأَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ، وَلَا وَسِيلَةَ إلَيْهِ وَلَا إلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَرْضٌ (أَوْ قَضَى) الْمُقْتَرِضُ (أَكْثَرَ) مِمَّا اقْتَرَضَهُ جَازَ.قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَيُعْفَى فِيهِمَا عَنْ الرُّجْحَانِ فِي الْقَضَاءِ إذَا كَانَ يَسِيرًا انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً فِي الْقَضَاءِ بِأَنْ يُقْرِضَهُ دِرْهَمًا فَيُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبًا، وَصَرَّحَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي: بِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ جَائِزَةٌ لِلْخَبَرِ وَهُوَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لِلْوَزَّانِ: أَرْجِحْ» «وَيَقُولُ: خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» فَيُوَافِقُ كَلَامَ صَاحِبِ الْفُصُولِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (أَوْ) قَضَى (خَيْرًا مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا اقْتَرَضَهُ (فِي الصِّفَةِ) بِأَنْ قَضَى صِحَاحًا عَنْ مُكَسَّرَةٍ، أَوْ جَيِّدًا عَنْ رَدِيءٍ، أَوْ أَجْوَدَ سِكَّةً مِمَّا اقْتَرَضَهُ جَازَ، لِأَنَّ مَبْنَى الْقَرْضِ عَلَى الْعَفْوِ لِأَجْلِ الرِّفْقِ (أَوْ) قَضَى (دُونَهُ) أَيْ: دُونَ مَا اقْتَرَضَهُ (بِتَرَاضِيهِمَا) أَيْ: الْمُقْتَرِضِ وَالْمُقْرِضِ (بِغَيْرِ مُوَاطَأَةٍ) عَلَى ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا.(أَوْ أَهْدَى) الْمُقْتَرِضُ (لَهُ) أَيْ: لِلْمُقْرِضِ (هَدِيَّةً) بَعْدَ الْوَفَاءِ جَازَ بِلَا شَرْطٍ وَلَا مُوَاطَأَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ، وَلَا وَسِيلَةَ إلَيْهِ وَلَا إلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَرْضٌ (أَوْ عَلِمَ) الْمُقْرِضُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمُقْتَرِضِ (الزِّيَادَةَ لِشُهْرَةِ سَخَائِهِ وَكَرَمِهِ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «كَانَ مَعْرُوفًا بِحُسْنِ الْوَفَاءِ» فَهَلْ يَسُوغُ لَأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ إقْرَاضَهُ مَكْرُوهٌ.(وَلَوْ أَرَادَ إرْسَالَ نَفَقَةٍ إلَى عِيَالِهِ فَأَقْرَضَهَا) أَيْ: النَّفَقَةَ (رَجُلًا لِيُوَفِّيَهَا لَهُمْ فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ (إذَا لَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهَا شَيْئًا) زَائِدًا عَنْهَا.(وَإِنْ فَعَلَ) الْمُقْتَرِضُ شَيْئًا (مِمَّا فِيهِ نَفْعٌ) لِلْمُقْرِضِ مِنْ هَدِيَّةٍ وَنَحْوِهَا (قَبْلَ الْوَفَاءِ لَمْ يَجُزْ) كَمَا تَقَدَّمَ (مَا لَمْ يَنْوِ) الْمُقْرِضُ (احْتِسَابَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ مُكَافَأَتَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: مَا فَعَلَهُ مِمَّا فِيهِ نَفْعٌ فَيَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُقْتَرِضِ (بِهِ) أَيْ: بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِهْدَاءِ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ الْقَرْضِ) فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِهِ جَازَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا، فَأَهْدَى إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ كَلَامٌ.(وَكَذَا) أَيْ: كَالْمُقْتَرَضِ فِيمَا ذَكَرَ (الْغَرِيمُ) أَيْ: كُلُّ مَدِينٍ غَيْرَهُ (فَلَوْ اسْتَضَافَ) أَيْ: (اسْتَضَافَ) الْمُقْتَرِضُ الْمُقْرِضَ (حَسَبَ لَهُ) أَيْ: الْمُقْرِضُ (مَا أَكَلَ) عِنْدَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ كَافَأَهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بَيْنَهُمَا بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ (وَهُوَ) أَيْ: الْمُقْرِضُ (فِي الدَّعَوَاتِ) إذَا فَعَلَ الْمُقْتَرِضُ وَلِيمَةً أَوْ عَقِيقَةً وَنَحْوَهُمَا (كَغَيْرِهِ) مِمَّنْ لَا دَيْنَ لَهُ.(وَلَوْ أَقْرَضَ) إنْسَانٌ (فَلَّاحَةَ فِي شِرَاءِ بَقَرٍ يَعْمَلُ عَلَيْهَا فِي أَرْضِهِ) بِالْحَرْثِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) أَقْرَضَهُ فِي شِرَاءِ (بَذْرٍ يَبْذُرهُ فِيهَا) أَيْ: أَرْضِهِ (فَإِنْ شَرَطَ) الْمُقْرِضُ (ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ لَمْ يَجُزْ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ (بِلَا شَرْطٍ أَوْ قَالَ) الْمُقْتَرِضُ (أَقْرِضْنِي أَلْفًا وَادْفَعْ إلَيَّ أَرْضَكَ أَزْرَعْهَا بِالثُّلُثِ حَرُمَ أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى (وَجَوَّزَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَالْمُوَاطَأَةِ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.(وَلَوْ أَقْرَضَ) إنْسَانٌ (مَنْ لَهُ عَلَيْهِ بُرٌّ) شَيْئًا (يَشْتَرِيهِ) أَيْ: الْبُرَّ (بِهِ ثُمَّ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ جَازَ) الْعَقْدُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ وَقَالَهُ سُفْيَانُ قَالَ: أَمَرَّتَيْنِ؟.(وَإِنْ قَالَ:) الْمُقْرِضُ لِلْمُقْتَرَضِ (إنْ مِتُّ- بِضَمِّ التَّاءِ- فَأَنْتَ فِي حِلٍّ فَوَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ) كَسَائِرِ الْوَصَايَا.(وَ) إنْ قَالَ لَهُ: إنْ مِتَّ (بِفَتْحِهَا) أَيْ: التَّاءِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ (لَا يَصِحُّ،؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ) وَشَرْطُ الْإِبْرَاءِ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا، كَالْهِبَةِ.(وَلَوْ جَعَلَ) إنْسَانٌ (لَهُ) أَيْ: لِآخَر (جُعْلًا عَلَى اقْتِرَاضِهِ لَهُ بِجَاهِهِ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَبْذُلهُ مِنْ جَاهِهِ فَقَطْ (لَا أَنْ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى ضَمَانِهِ لَهُ) فَلَا يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ فَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ وَإِنْ أَدَّاهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَصَارَ كَالْقَرْضِ فَإِذَا أَخَذَ عِوَضًا صَارَ الْقَرْضُ جَارًّا لِلْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَجُزْ، وَمَنَعَهُ الْأَزَجِيُّ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا.(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَقْتَرِضَ بِجَاهِهِ لِإِخْوَانِهِ) قَالَ الْقَاضِي: إذَا كَانَ مَنْ يَقْتَرِضُ لَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْوَفَاءِ، لِكَوْنِهِ تَغْرِيرًا بِمَالِ الْمُقْرِضِ وَإِضْرَارًا بِهِ، أَمَّا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْوَفَاءِ فَلَا يُكْرَهُ، لِكَوْنِهِ إعَانَةً لَهُ، وَتَفْرِيجًا لِكُرْبَتِهِ.(وَلَوْ أَقْرَضَ غَرِيمَهُ الْمُعْسِرَ أَلْفًا لِيُوَفِّيَهُ مِنْهُ) أَيْ: الْأَلْفِ (وَمِنْ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ كُلَّ وَقْتٍ شَيْئًا) جَازَ، وَالْكُلُّ حَالٌ (أَوْ قَالَ) الْمُقْرِضُ (أَعْطِنِي بِدَيْنِي رَهْنًا، وَأَنَا أُعْطِيكَ مَا تَعْمَلُ فِيهِ وَتَقْضِينِي دَيْنِي كُلَّهُ) أَيْ: الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ.(وَيَكُونُ الرَّهْنُ عَنْ الدَّيْنَيْنِ، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا) بِعَيْنِهِ (جَازَ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاطُ زِيَادَةٍ عَمَّا يَسْتَحِقّهُ عَلَيْهِ (وَالْكُلُّ) أَيْ: جَمِيعُ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (حَالٌ) لَا يَتَأَجَّلُ بِقَوْلِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.(وَإِنْ أَقْرَضَهُ) أَثْمَانًا أَوْ غَيْرَهَا (أَوْ غَصَبَهُ أَثْمَانًا أَوْ غَيْرَهَا فَطَالَبَهُ الْمُقْرِضُ أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِبَدَلِهَا) أَيْ: بِبَدَلِ الْأَثْمَانِ أَوْ غَيْرِهَا (بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ (لَزِمَهُ) أَيْ: الْمُقْتَرِضَ أَوْ الْغَاصِبَ دَفْعُ الْمِثْلِ الَّذِي لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ قَضَاءَ الْحَقِّ بِلَا ضَرَرٍ (إلَّا مَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَقِيمَتُهُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ أَنْقَصُ) مِنْ قِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الطَّلَبِ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُقْتَرِضَ أَوْ الْغَاصِبَ (إذَنْ قِيمَتُهُ فِيهِ) أَيْ: فِي بَلَدِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ (فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُقْرِضِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ (إذَنْ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ إلَى بَلَدِ الطَّلَبِ، فَيَصِيرُ كَالْمُتَعَذِّرِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ؛؛ لِأَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِيهِ (وَلَا) مُطَالَبَةَ لِرَبِّهِ (بِقِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ.(وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ: الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ (فِي الْبَلَدَيْنِ) أَيْ: بَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ وَبَلَدِ الْمُطَالَبَةِ (سَوَاءً أَوْ) كَانَتْ قِيمَتُهُ (فِي بَلَدِ الْقَرْضِ) أَوْ الْغَصْبِ (أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ (لَزِمَهُ أَدَاءُ الْمِثْلِ)؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ فِي أَدَائِهِ.(وَإِنْ كَانَ) الْقَرْضُ أَوْ الْغَصْبُ (مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ فَطَالَبَهُ) أَيْ: طَالَبَ رَبُّهُ الْمُقْتَرِضَ أَوْ الْغَاصِبَ (بِقِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ) أَوْ الْغَصْبِ (لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا)؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ وَاجِبٌ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ طَالَبَهُ بَقِيَ فِي بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ، وَكَانَتْ أَكْثَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ إلَيْهَا.(وَلَوْ بَذَلَ الْمُقْتَرِضُ) لِلْمُقْرِضِ (أَوْ) بَذَلَ (الْغَاصِبُ) لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ (مَا فِي ذِمَّتِهِ) مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ (وَلَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ) أَيْ: لِلْمَبْذُولِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (لَزِمَ) لِلْمُقْرِضِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ (قَبُولُهُ مَعَ أَمْنِ الْبَلَدِ وَالطَّرِيقِ)؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ إذَنْ فَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أَوْ كَانَ الْبَلَدُ أَوْ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَلَوْ تَضَرَّرَ الْمُقْتَرِضُ أَوْ الْغَاصِبُ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.(فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ بَاقِيًا) وَبَذَلَ الْغَاصِبُ بَدَلَهُ لِرَبِّهِ (لَمْ يُجْبَرْ رَبُّهُ عَلَى قَبُولِهِ) أَيْ: الْبَدَلِ (بِحَالٍ) لَا مَعَ مُؤْنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا مَعَ عَدَمِهَا، وَلَا مَعَ أَمْنٍ لِلْبَلَدِ وَالطَّرِيقِ، وَلَا مَعَ الْخَوْفِ لِأَنَّ دَفْعَ الْبَدَلِ مُعَاوَضَةٌ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ.وَإِذَا اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى مِنْهُ بِهَا شَيْئًا فَخَرَجَتْ زُيُوفًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِبَدَلِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا دَرَاهِمُهُ فَعَيْبُهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَدَلُ مَا أَقْرَضَهُ إيَّاهُ بِصِفَتِهِ زُيُوفًا قَالَهُ أَحْمَدُ: وَحَمَلَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُغْنِي عَلَى مَا إذَا بَاعَهُ بِهَا وَهُوَ يَعْلَمُ عَيْبَهَا.أَمَّا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ قَبَضَ هَذِهِ بَدَلًا عَنْهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لَهُ دَرَاهِمُ خَالِيَةٌ مِنْ الْعَيْبِ وَيَرُدُّ هَذِهِ عَلَيْهِ وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَفَاءً عَنْ الْقَرْضِ وَبَقِيَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.وَلَوْ أَقْرَضَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْقَرْضُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُقْتَرِضِ شَيْءٌ.
|